هيثم المومني - ظاهرة أطفال الشوارع في الأردن أصبحت من الظواهر التي تثير القلق خصوصا أمام تناميها وازدياد عدد أطفال الشوارع في المدن الأردنية الكبرى وخاصة في العاصمة عمان. حيث لا تخلو مدينة أردنية من أطفال في حالة يُرثى لها. تجدهم في مواقف السيارات.. قرب المولات, والمطاعم, على الأرصفة, في الحدائق, نائمون في مقاهي الانترنت, وغيرها فلا ملجأ لهم ولا مسكن، فهم يتخذون بعض الأماكن والحدائق المهجورة مكانا للمبيت، مفترشين الأرض وملتحفين السماء, يعيشون حياة اللامبالاة, همهم الوحيد هو جمع المال الذي سيؤمن لهم قوت يومهم, هائمون على وجوههم من ضياع إلى ضياع, فلا حاضر لهم ولا مستقبل, فهم الفئة المهمشة, وينظر إليهم اغلب أفراد المجتمع على انهم كائنات أخرى غريبة وكأنهم قادمون من كوكب آخر. إن معظم هؤلاء الأطفال للأسف ينحرفون، حتى ان بعضهم وصل به الحد إلى الإدمان على المخدرات وشرب الكحول، ومنهم من سلك طريق الإجرام, ولا أحد يستطيع أن يلومهم لوماً مباشراً، فهم ضحايا قبل أن يكونوا مجرمين، ضحايا عوامل مجتمعية واقتصادية لم ترحمهم ولم تترك لهم فرصة للخيار أمام صعوبة وقساوة الظروف التي يعيشونها.
ولعلَّ من أهم الأسباب التي تدفع الأطفال إلى ترك بيت أسرهم هي الطلاق أو زواج الأب بالزوجة ثانية, فالأطفال حساسون بطبعهم، وكل توتر يحدث داخل البيت يؤثر سلبا على نفسية الطفل الهشة, فيجد الشارع ملاذاً لا بأس به بالنسبة لما يعانيه من أجواء وظروف قد يراها الطفل صعبة في بيته, فافتراق الوالدين يعرض الأبناء للتشرد والضياع غالباً، وهناك أرقام تشير إلى ان 90% من أطفال الشوارع لديهم آباء وأمهات، إما أب أو أم, فهم ليسوا لقطاء, وبعض هؤلاء الأطفال يعيشون بين الشارع و البيت, وبعضهم الآخر أطفال يشتغلون بالشوارع، وأغلبهم يحققون دخلاً لا بأس به, وهناك الكثير من الأطفال الذين يتعرضون للاستغلال البشع من طرف الشارع، إما عن طريق تشغيلهم في ظروف صعبة أو عن طريق الاستغلال الجسدي. سبب آخر يدفع الأطفال للتشرد واللجوء إلى الشارع هو الفقر, ذلك أن الأردن يعتبر من الدول الفقيرة ودخل الأسرة فيه متدني، فتضطر الأسر الفقيرة – بسبب عدم كفاية أجرة الأب مثلا – إلى دفع أبنائها للعمل بالشارع. وعادة ما يقوم الآباء الفقراء بالقسوة على أبنائهم وضربهم إذا لم يعودوا إلى البيت بمبلغ كبير, مما يضطر هذا الطفل إلى أن يعمل في عدة مهن في اليوم الواحد أو سلوك طريق الحرام لجمع المال. ومن الأسباب التي تدفع الطفل إلى اللجوء إلى الشارع هي الانقطاع عن الدراسة حيث أن كل أطفال الشوارع هم أطفال لم يكملوا تعليمهم لسبب أو لآخر، حيث يصبح وقت الفراغ أطول والآفاق المستقبلية أضيق، فينضمون بالتالي إلى قافلة التشرد. إن ظاهرة أطفال الشوارع لها نتائج خطيرة جداً على هؤلاء الأطفال، ولها تأثير سلبي كبير على المجتمع ككل, وخصوصا هذه الشريحة التي يفترض أنها تمثل أجيال المستقبل, ومن هذه النتائج الخطيرة التي تؤثر على طفل الشارع الانحراف, حيث ان خروج طفل في العاشرة من عمره مثلا إلى الشارع سيؤدي به حتما إلى الانحراف, خصوصاً أمام عدم وجود رادع، فهو لن ينجو بالتالي من تعلم التدخين أو تعاطي المخدرات أو شرب الكحول رغم سنه الصغيرة.
وكذلك يتعرض أطفال الشوارع للأمراض المختلفة حيث ان وضعية هؤلاء الأطفال متشابهة، فكلهم يبيتون في الشوارع، حيث يكونون عرضة لكل التقلبات المناخية من برد شديد، أو حر شديد, أو حتى ريح عاصفة، مما ينتج عنه أمراض مختلفة ليس السل والسرطان بأولها ولا آخرها. ومن النتائج الخطيرة أيضاً التي تؤثر على طفل الشارع وبالتالي على المجتمع ككل هي تعلم هؤلاء الأطفال الإجرام, فنحن لا ننتظر من طفل أن يدرك الصواب من الخطأ وهو محروم من التربية, ومحروم من المأكل والملبس, فيلجأ طفل الشارع للسرقة وقطع الطريق على المارة بوسائل مختلفة, ويكون همه الوحيد هو جمع المال ولو كان عن طريق الإجرام. ومن النتائج الخطيرة لأطفال الشوارع كذلك التسول, الذي يعتبره أطفال الشوارع وسيلة أخرى من وسائل تحصيل الرزق بالنسبة لهم، فتجدهم على إشارات المرور ومواقف السيارات وقرب المطاعم، يستجدون المارة علهم يحظون بلقمة تسد رمقهم, أو مبلغ بسيط من المال لشراء الطعام أو السقائر.
ومن أخطر الأشياء التي يتعرض لها أطفال الشوارع هي الاستغلال الجسدي والجنسي, حيث توجد بعض المافيات التي تقوم باستغلال هؤلاء الأطفال إما عن طريق تشغيلهم بأثمان بخسة أو استغلالهم جنسيا, أو قد تنشأ علاقات غير شرعية بين أطفال الشوارع من ذكور وإناث وبعضهم يذهب إلى أكثر من ذلك بممارسة الشذوذ الجنسي مع أقرانه من أطفال الشوارع بالرضا أو الإكراه, ففي حالتهم –أطفال الشوارع- ولانعدام التربية السليمة والاعتماد على تربية الشارع التي نستطيع ان نقرنها بشريعة الغاب البقاء للأقوى فكل شيء مباح. إن الحلول لهذه الظاهرة تتمثل في القضاء على الأسباب التي ذكرناها آنفا. ولا ننسى دور رعاية الأطفال التي تلعب دور هاما وقيما في استئصال جذور هذه الظاهرة من المجتمع الأردني، ذلك أن هذه الدور تعمل بصفة مستمرة على انتشال هؤلاء الأطفال من براثن الضياع، وتوفر فرص مناسبة لهم للانخراط في المجتمع.
فأين الجهات المسؤولة عن أطفال الشوارع؟ ولماذا لا تسن عقوبات زجرية لكل من تسول له نفسه التخلي عن أطفاله والرمي بهم في الشارع أكان رجلا أو امرأة, يجب تتبع كل طفل مشرد والسؤال عن أهله وتحميلهم كامل المسؤولية لما حدث للطفل, لأن الطفل في النهاية يبقى طفلاً وغير مدرك لمصلحته.